رثاء الأبناء في عصر صدر الإسلام, والأموي..
ونبتدئ هذا العصر بقصيدة لأبو ذؤيب الهذلي,والذي تُعّد من أروع ما قيل, في رثاء الأبناء, حيث بكاهم بأبيات مبكية,ولا يتسنى لقارئها إلا أن يشعر بمدى حرارة أشواقه والتياعه, حيث يقول فيها: (1)
أمــن الـمـنـون وريـبـهـا تـتـوجـع والدهر ليس بمعتب مـن يجـــــزع
قالت أمامة ما لجسمك شـــاحبا منـذ ابتذلـت ومثـل مالـك ينفــــــع
أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا إلا أقض عليك ذاك المضجع
فأجبتها أن ما لجــسمي أنـه أودى بني من البلاد وودعوا
أودى بني وأعقبوني حسرة بعد الرقاد وعبرة لا تقــــلع
ولقد أرى أن البكاء سفاهة ولسوف يولع بالبكا من يفجع
سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع فغبرت بعدهم بعيش ناصب وإخال أني لاحق مستــــــتبع
ولقد حرصـت بـأن أدافـع عنهـم وإذا المـنـيـة أقـبـلـت لا تــدفــع
وإذا المنـيـة أنشـبـت أظـفـارهـا ألفـيـت كـــل تمـيـمـة لا تـنـفـــــع
فالعـيـن بعـدهـم كــأن جفونـهـا كحلت بشوك فهـي عـور تــــدمـع
وتـجـلـدي للشامـتـيـن أريــهــم أنـي لـريـب الـدهـر لا أتضعـضـع
حـتـى كـأنـي للـحـوادث مـــروة نصـف المشقـر كـل يـوم تـقــرع
لابـد مــن تـلـف مقـيـم فانتـظـر أبأرض قومك أم بأخرى المضجع
ولـقـد أرى أن البـكـاء سـفـاهـة ولسوف يولـع بالبكــــا مـن يـفجـع
وليـأتـيـن عـلـيــك يــومــا مــــرة يبكـي عليـك معنـفـا لا تسـمـــــع
فلئـن بهـم فجـع الزمـان وريـبـه إنــي بـأهـــل مـودتـــي لمـفـــجـــع
والـنـفـس راغــبــة إذا رغـبـتـهـا وإذا تـــرد إلـــى قـلـيــل تـقـنـــع
كَم مِن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ القـوى كانوا بِعَيـــشٍ قبــلنا فَتَصَـدَّعـوا(2)
.................................................. ........................
1ـ هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن الحارث بن تميم بن سعد ابن هذيل. طبقات فحول الشعراء لابن سلام.وانظر كتاب في النص الإسلامي والأموي,د.محمد الهرفي.
2ـجواهر الأدب صفحة .445 وانظر جمهرة شعراء العرب ص 60
وهذا الشاعر علي بن ثابت (1) يرثي ابنه أيضا بقصيدة يملئها الحزن ,والأسى على فقيده , ويقول:
يا كذب الله من نعــى حسنــاً ليس لتكذيب نعيه ثمــن
أجول في الدّار لا أراك وفي الدّ ار أناسٌ جوارهم غبــن
كنت خليلي وكنت خالصــتي لكلّ حيٍّ من أهله سكــن
بدّلتــهم مــنـك، لــيـت أنّهـــم أمسوا وبيني وبينهم عدن(2)
وجرير من الشعراء الذين رثوا أبنائهم وهذه قصيدة في رثاء ابنه سوادة الذي بكاه, بكاء اباً حزينا متألما , ويقول فيها :(3)
قالوا: نصيبك من أجرٍ فقلتُ لهم من للعرين ِ إذا فارقت أشبــــالي
لكن سوادةُ يجلو مقلتي لَحِمٍ بازٍ يُصرصرُ فوق المرقب العالي
قد كنتُ أعرفهُ مني إذا غَلِقَت رُهنً الجــياد ومدَّ الغايةَ الغالي
إلا تكن لك بالدَّيْرَين باكيــــةٌ فَرُب باكيـــةٍ بالرمـــل معــــوال ِ
كأم بَوٍّ عجولٍ، عند معهــــده حنّت إلى جَلَدٍ منه ،وأوصـــــــال ِ
ترتعُ ما نَسِيَت حتى إذا ذَكَرَت ردّت هَماهمَ حَرّى الجوفِ مِثكال ِ
زِدنا على وَجْدِها وَجْداً وإن رَجَعَت في القلب منها خُطوبٌ ذاتُ بَلبَال ِ
فارقْتَني حينَ كفّ الدهرُ من بصري وحينَ صرتُ كعظمِ الرّمةِ البالي
إن الثويّ بذي الزيتونِ فاحتسبي قد أسرَعَ اليومَ في عقلي وفي حالي(4)
.................................................. .........................
1ـ هو علي بن ثابت بن قيس الأنصاري.التعازي والمراثي ,لأبو العبَّاس المبرِّد,صفحة 107
2ـ نفس المصدر التعازي والمراثي107,108
3ـ هو أبو حزرة بن عطية بن الخطفى التميمي اليربوعي: أحد فحول الشعراء الإسلاميين،جواهر الأدب.لأحمد الهاشمي صفحة 198.وانظرطبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي, ص36
4ـ ديوان جريرج2 صفحة:39 . والأغاني للأصفهاني ,ج2, ص313
وقال الفرزدق أيضاً يرثي ابنين له ماتا في مدة يسيرة:(1)
بفي الشامتين التّرب إن كان مسّني رزيّة شبلي مخدرٍ في الضّراغم
وما أحـــدٌ كان المنــــايا وراءه وإن عاش أيّاماً طوالاً بسالــــم
أرى كلّ حيٍّ لا تزال طليــــــعةً عليه المنايا من ثنايا المخارم
يذكّرني ابنّي السّماكان موهنــاً إذا ارتفعا فوق النّجوم العواتم
وقد رزيء الأقوام قبـلي بنيـــــهم وإخوانهم فأقني حياء الكرائم
ومات أبي والمنذران كلاهــــما وعمرو بن كلثومٍ شهاب الأراقم
وقد كان مات الأقرعان وحاجبٌ وعمروٌ أبو عمروٍ وقيس بن عاصم
وقد مات بسطام بن قيــلم يهلــكاهم عشيّة بانا، رهط كعبٍ وحاتم
فما ابناك إلاّ من بني النّاس فاصبري فلن يرجع الموتى حنين المآتم(2)
تحياتي لكم