[وحدهم المشرفون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
[center][size=29]هل أحسست من قبل بهذا الأحساس ؟
اخي الكريم / اختي الكريمة اقرأ الموضوع بتمعن لو سمحت لن يستغرق 10 دقائق كي تنال الاجر
فجأة وإذا بخفقات قلبي تزيد ، ونبض دمي يعلو ،
فما شعرت إلا وشيء يكتم أنفاسي ، صحت بأعلى
صوتي ، ضاق نَفَسي ، بردت أطرافي ، هملت
يداي ، ناديت يا إخوتي أصدقائي أغيثوني ، ما
هذا الذي داهمني آتوني بطبيبي ، بل بصديقي
وأخي وحبيبي ، لكن واحسرتاه .. واحسرتاه ...
أصيح بأعلى صوتي فلا أسمع سوى صدى ندائي
يتردد في أرجاء غرفتي المظلمة قلبي يخفق بأعجوبة ، كأني أتنفس من خرم إبرة .
أيقنت عندها أنه جاء يطلبني ، توسلت إليه
ليمهلني
لينظرني ولو ساعة من نهار ، لكن دون جدوى ، كان شديداً غاضباً مني ، عيناه
تحكي حقده عليَّ ، رفض توسلي إليه ، قال بأعلى صوته : ألم تعرفني ؟ ألم تسمع بي
؟ قلت : بلى ... أنتَ من جاء ليغمض عيني ويلفني بأكفاني ، بل ويبعدني عن
أهلي وأحبابي ، أنت من جاء ليخطفني من بين أشرطتي وقنواتي ، ويدمر تسليتي
بألعابي ردَّ بصوت مخيف : إنك راحل ، وإلى مطار تعرفه مسافر .
زادت
آلامي ، وحُبست في جوفي أحرفي قبل كلماتي انتهرني قائلاً لِمَ تنساني ،
لِمَ تنساني ... . ارتجت كلماتي وخانني لساني ، ما فكرت يوماً أنك تطلبني
، ما فكرت يوماً أنك تطرق بابي لتعيدني لصوابي ، وتغلق صفحة حياتي ، وتقطع
استمتاعي بشبابي عندها تذكرت أنها صيحات فراق ، وآلام وداع ، أودع الدنيا
راحلاً إلى مطار أرضه غير مرصوفة ، وسادته التراب ، ومستقبلوه الدود ،
وغطاؤه اللحود ، برده شديد يفتك العظام ، يقطع الأوصال ، يمحو الملامح
والشباب ، وتسيل منه العينان على الخدان ، ويتدلى منه اللسان ، نداؤه لا
يُسمع ، وتوسله لا يُجاب ، إذاً قد أصبح بينه وبين الدنيا حجاب صحتُ بأعلى
صوتي آهٍ ... لو أعود سحبت جسمي وأسندت ظهري على جدار غرفتي المرعب وأنا
أشعر بالوهن والمرض يدبُّ إلي .
هل هو الموت؟
هل انتهت أيامي وجاء لقائي بربي ؟ حزنت ... بكيت ... رفعت صوتي , أيقنت أن
لا أحد يسمعني . شبح الموت يتراءي أمام ناظري , تدحرجت دموعي على خدي ,
خوفاً وهلعاً أن أفارق الحياة وأنا في ريعان الشباب آهات وآلام تحفز دموع
الندم , لتقول لي:كم من متعة استمتعتها ,وشريط فسوق رايته او سمعته ,
وصلاة تكاسلت عنها , ارتعش لساني وخرجت كلماتي : بأي وجه أقابل ربِّي ؟
كيف أعتذر وقد خنته ؟ هل سيعفو عني أم سيلقي بي غير مبالٍ إلى النار؟
الأسئلة الملحة تطاردني , والحسرة والندم ينهشان قلبي .
سأهرب
ولكن إلى أين ؟ الدنيا كلها لن تخفيني ممن يطاردني , لساني يلهث يردد
رحماك ربِّي ... إلهي أتوسل إليك أمهلني لازلت في ريعان شبابي , سفينة
حياتي تتحطم على صخرة النهاية . الموت يدكها .. يحطمها .. يكسرها بشراسة
كأن بينه وبينها عداوة ... رحماك ربي وما هي إلا لحظات وإذا بباب البيت
يفتح مبشراً بوصول أهلي , فرحت فرحاً لا يوصف , استجمعت أنفاسي ودَّبت
الحياة لأعضائي , تحرك لساني , ناديتهم بأعلى صوتي , وهو يطاردني جاثم على
صدري , أمي الحبيبة أدركيني ... حبيبك يغادر الدنيا , تودع آخر أنفاسه
الحياة .
أمي
الحبيبة أدركيني ... حبيبك أنفاسه محجوزة , ومن الموت مفزوعة , أمي الحنون
أين أنتِ عني ؟ أين حنانك مني؟ بل أين حبٌّك لي؟ أماه امنعيني ومن الموت
أجيريني .. حبيبك يموت ... أماه مُدِّي لي يدك اعلق فيها آخر أنفاس الحياة
. أماه مُدِّي لي يدك أقبِّلها .. أودعها ... أشمّ فيها رائحة المحبة .
أمي الحبيبة سامحيني كم تطاولت يوماً عليك . أماه إنها لحظات الوداع
وزفرات الفراق . دنت مني أمي ودموعها تكاد تغرقني .
نادتني
حبيبي حياتي , أفديك بنفسي , وضعتْ رأسي علي حجرها , وأمسكت يدي بيدها ,
بكاؤها يقطع قلبي ويزيدني ألماً فوق ألمي . صحت : آه آه يا أماه من شيء
يقطع قلبي , يمزق أعضائي , يجري مع دمي , بل يا أماه يكسر عظامي .. آه لو
تعلمين .. إنه ألم شديد وفراق إلى مدى بعيد .. زاد بكاؤها ورفعت يديها إلى
السماء تدعو إلهي : أمهل حبيبي ليتوب , ليعود . إلهي لا تخيب رجائي فيك .
مددت يدي لأختي ... لأخي ... لأبي ... تعلقتُ بهم .. وداعاً أحبَّتي.. علا
بكاؤهم , وزاد أساهم, يرون آلامي لا تُوصف , تعجز عن وصفها الأقلام , ويقف
عنها عاجزاً الكلام .. جبال على صدري , وهموم تثقلني .. إلهي من يفرِّج
همي وينفِّس كربتي .. اشتد نزعي , ضاق والله بها صدري .. ينادونني قل لا
إله إلا الله . وذاك يقول احملوه للمستشفى لازال فيه حياة . حُملت
للمستشفى, واستقبلت بحفاوة , ووضعت بين الأجهزة في غرفة الإنعاش .. هذا
بإبرة وذاك بأكسوجينه , وآخر ينعش بضربات القلب .
حاولوا
ثم حاولوا . لكن لم يستطيعوا انتشالي من بين فكي الموت, لقد شدَّ عليَّ
بأسنانه وشدَّ علي بأضراسه وبعد ساعات حار الطبيب بعلمه , وانثنى منكساً
رأسه معلناً أمام الموت فشله .
خرج
لأهلي, دموعه على خده قابضاً يده . تعالوا لتحضروا وفاته . دخلوا الغرفة
كلهم , ولساني يهذي بأمور لا أشعر بها . حكيت لهم قصة حياتي , بشريط مسجل
على لساني , كنتُ مظهراً التزامي وأمامهم مبتعداً عن الملهيات والأغاني ,
وإذا بهم يتفاجئون بالحقيقة المرَّة .
انكشف
الغطاء وبدأ الزيف والافتراء . حقيقة مُرة وكذبة كبيرة , عشت فيها سنين .
تذكرت عندها كلاماً لسفيان الثوري : أكبر خيانة أن يخونك لسانك عند الموت
فلا ينطق بها . أتعرف ما هي ؟ إنها الشهادة , وفجأة تجمع الأطباء حولي
واشتد نزعي , وصِحْتُ بأعلى صوتي : آه لو أعود من منكم يزيدني من عمره
ساعة .. دقيقة .. ثانية ؟ لأكتشف الحقيقة وأحطم زيف الكذبة ,كل منهم ودمعه
ينهال على خديه قابضاً من الحزن يديه وفجأة وإذا بأجهزة الأطباء تضطرب
وتخفق بسرعة , هوت كلها إلى مؤشر الصفر معلنة النهاية , فدقت أجراسها
خطراً , وعلا صوتها منذراً , وانطفأت كلها وفاضت معها روحي . ورأى الكل
مصرعي بل نهاية حياتي وبداية قيامتي ، خرج الجميع من الغرفة وتركوني
وحيداً فريداً في غرفة باردة , تركوني مع أيدٍ غريبة تقلبني وتلفني بأثواب
.
ربطوا
بها يدي , وشدوا بها رأسي , واستدعوا موظف الثلاجة ليحملني على عربته
وحيداً لا مرافق لي ، تركني أهلي كأنهم خائفون مني مستوحشون من حالي ، لا
جرأ أحد منهم على لمسي ، أدخلت الثلاجة وفتحت لي أبوابها , حملني اثنان
وعن العربة أنزلوني , وفي الدرج الأول تركوني , مكان ضيق كأنه لحد .
أغلقوا علي إغلاقاً محكماً , ثم أقفلوها خارجين و إلي أعمالهم عائدين ,
أطفئوا الأنوار , زاد برد الثلاجة , كل ما فيها أناس صامتون , جيران لا
يتكلمون, لا نفس فيسمع , ولا داعي فيجاب ,كنت أمر بقرب هذا المكان لا
أستطيع النظر إليه خوفاً منه وها أنا اليوم أودع فيها , يالها من نهاية ,
وما هي إلا لحظات وإذا بأبواب تُفتح , ضجيج وأصوات عالية , ومن بينهم صوت
يقول : أنا أغسله , وآخر أنا أكفنه أخرجوني من درجي ووضعوني على مكان غسلي
, كأنهم خائفون مني , خلعوا ملابسي وستروا عورتي , صبوا الماء فوق رأسي
وغسلوني , قرَّبوا الأكفان ونشروها ثم طيَّبوها , حملت بين أيديهم ألقوني
بينها , بدأوا بتغطية وجهي , أوثقوني بالأربطة , ما أشده وأظلمه من غطاء ,
قبَّلني أبي وأخي , واستدعيت أمي فلم تتمالك نفسها , حنت رأسها عليَّ
وقبَّلتني تركوني في ناحية المسجد وحيداً , انتهت الصلاة وتداعى أحبتي :
إلينا بعبد الله فاحملوه وللصلاة قرِّبوه , حُملت بين الأيدي , ورفعت على
الأعناق صلى الناس وخرجوا.