وكان يقول إذا أصبح اللهم بك أصبحنا ، وبك أمسينا ، وبك نحيا ، وبك نموت وإليك النشور حديث صحيح .
وكان يقول أصبحنا وأصبح الملك لله . والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر وإذا أمسى قال : أمسينا وأمسى الملك لله . .. إلى آخره . ذكره مسلم .
وقال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال قل اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه ومالكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم قال قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك حديث صحيح .
وقال صلى الله عليه وسلم ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات إلا لم يضره شيء حديث صحيح .
وقال من قال حين يصبح وحين يمسي : رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، كان حقا على الله أن يرضيه صححه الترمذي والحاكم .
وقال من قال حين يصبح وحين يمسي : اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت \" وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار وإن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار وإن قالها ثلاثا ، أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار وإن قالها أربعا ، أعتقه الله من النار حديث حسن .
وقال من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك لك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي ، فقد أدى شكر ليلته حديث حسن .
وكان يدعو حين يصبح وحين يمسي بهذه الدعوات اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي ، وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي صححه الحاكم .
وقال إذا أصبح أحدكم فليقل أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهدايته وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده ثم إذا أمسى ، فليقل مثل ذلك حديث حسن .
وذكر أبو داود عنه أنه قال لبعض بناته قولي حين تصبحين سبحان الله وبحمده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ، فإنه من قالهن حين يصبح حفظ حتى يمسي ومن قالهن حين يمسي حفظ حتى يصبح
وقال لرجل من الأنصار : ألا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك ؟ قلت بلى يا رسول الله قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال فقلتهن فأذهب الله همي ، وقضى عني ديني
وكان إذا أصبح قال أصبحنا على فطرة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما ، وما كان من المشركين
[ الرسول مرسل إلى نفسه وأمته ]
هكذا في الحديث ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد استشكله بعضهم وله حكم نظائره كقوله في الخطب والتشهد في الصلاة أشهد أن محمدا رسول الله فإنه صلى الله عليه وسلم مكلف بالإيمان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خلقه ووجوب ذلك عليه أعظم من وجوبه على المرسل إليهم فهو نبي إلى نفسه وإلى الأمة التي هو منهم وهو رسول الله إلى نفسه وإلى أمته .
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لفاطمة ابنته ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به : أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي ، يا قيوم بك أستغيث فأصلح لي شأني ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل شكا إليه إصابة الآفات قل إذا أصبحت بسم الله على نفسي ، وأهلي ومالي ، فإنه لا يذهب عليك شيء
ويذكر عنه أنه كان إذا أصبح قال اللهم إني أسألك علما نافعا ، ورزقا طيبا ، وعملا متقبلا
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا قال حين يصبح ثلاث مرات اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر فأتمم علي نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة وإذا أمسى ، قال ذلك ، كان حقا على الله أن يتم عليه
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من قال في كل يوم حين يصبح وحين يمسي : حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه من قال هذه الكلمات في أول نهاره ، لم تصبه مصيبة حتى يمسي ومن قالها آخر نهاره لم تصبه مصيبة حتى يصبح \" اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت ، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ، وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، إن ربي على صراط مستقيم وقد قيل لأبي الدرداء قد احترق بيتك فقال ما احترق ولم يكن الله عز وجل ليفعل لكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرها .
وقال سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي ، لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي ، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها حين يصبح موقنا بها فمات من يومه دخل الجنة ومن قالها حين يمسي موقنا بها ، فمات من ليلته دخل الجنة
ومن قال حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه \" . وقال \" من قال حين يصبح عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتب الله بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات وكانت كعدل عشر رقاب وأجاره الله يومه من الشيطان الرجيم وإذا أمسى فمثل ذلك حتى يصبح
وقال من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في اليوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه
وفي \" المسند \" وغيره أنه صلى الله عليه وسلم علم زيد بن ثابت ، وأمره أن يتعاهد به أهله في كل صباح لبيك اللهم لبيك لبيك وسعديك ، والخير في يديك ومنك وبك وإليك اللهم ما قلت من قول أو حلفت من حلف أو نذرت من نذر فمشيئتك بين يدي ذلك كله ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بك إنك على كل شيء قدير اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ذا الجلال والإكرام فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا ، وأشهدك - وكفى بك شهيدا - بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك وأشهد أن وعدك حق ، ولقاءك حق ، والساعة حق آتية لا ريب فيها ، وأنك تبعث من في القبور وأشهد أنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة وإني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنوبي كلها إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وتب علي إنك أنت التواب الرحيم
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند لبس الثوب ونحوه
كان صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا ، أو رداء ثم يقول اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه ، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له حديث صحيح .
ويذكر عنه أنه قال من لبس ثوبا فقال : \" الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه
وفي \" جامع الترمذي \" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من لبس ثوبا جديدا فقال \" الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي ، وأتجمل به في حياتي ، ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في حفظ الله وفي كنف الله وفي سبيل الله حيا وميتا
وصح عنه أنه قال لأم خالد لما ألبسها الثوب الجديد أبلي وأخلقي ، ثم أبلي وأخلقي مرتين
وفي \" سنن ابن ماجه \" أنه صلى الله عليه وسلم رأى على عمر ثوبا فقال أجديد هذا ،أم غسيل ؟ فقال بل غسيل فقال \" البس جديدا ، وعش حميدا ، ومت شهيدا
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم عند دخوله إلى منزله
لم يكن صلى الله عليه وسلم ليفجأ أهله بغتة يتخونهم ولكن كان يدخل على أهله على علم منهم بدخوله وكان يسلم عليهم وكان إذا دخل بدأ بالسؤال أو سأل عنهم وربما قال هل عندكم من غداء ؟ وربما سكت حتى يحضر بين يديه ما تيسر .
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا انقلب إلى بيته الحمد لله الذي كفاني ، وآواني ، والحمد لله الذي أطعمني وسقاني ، والحمد لله الذي من علي فأفضل أسألك أن تجيرني من النار
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأنس إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهلك قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
وفي \" السنن \" عنه صلى الله عليه وسلم إذا ولج الرجل بيته فليقل : اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا ، وعلى الله ربنا توكلنا ، ثم ليسلم على أهله
وفيها عنه صلى الله عليه وسلم ثلاثة كلهم ضامن على الله رجل خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله حديث صحيح .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء ذكره مسلم .
دفصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند دخوله الخلاء
ثبت عنه في \" الصحيحين \" أنه كان يقول عند دخوله الخلاء اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .
وذكر أحمد عنه أنه أمر من دخل الخلاء أن يقول ذلك . ويذكر عنه لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم .
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم قال ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الكنيف أن يقول بسم الله .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلا سلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه .
وأخبر أن الله سبحانه يمقت الحديث على الغائط فقال لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عوراتهما يتحدثان فإن الله عز وجل يمقت على ذلك .
[ النهي عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط ]
وقد تقدم أنه كان لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا بغائط وأنه نهى عن ذلك في حديث أبي أيوب وسلمان الفارسي ، وأبي هريرة ، ومعقل بن أبي معقل ، وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عمر رضي الله عنه وعامة هذه الأحاديث صحيحة وسائرها حسن والمعارض لها إما معلول السند وإما ضعيف الدلالة فلا يرد صريح نهيه المستفيض عنه بذلك كحديث عراك عن عائشة ، ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناسا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال أوقد فعلوها حولوا مقعدتي قبل القبلة رواه الإمام أحمد .
وقال هو أحسن ما روي في الرخصة وإن كان مرسلا ، ولكن هذا الحديث قد طعن فيه البخاري وغيره من أئمة الحديث ولم يثبتوه ولا يقتضي كلام الإمام أحمد تثبيته ولا تحسينه قال الترمذي في كتاب \" العلل الكبير \" له سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال هذا حديث فيه اضطراب والصحيح عندي عن عائشة من قولها انتهى .
قلت : وله علة أخرى ، وهي انقطاعه بين عراك وعائشة ، فإنه لم يسمع منها ، وقد رواه عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن رجل عن عائشة ، وله علة أخرى ، وهي ضعف خالد بن أبي الصلت .
ومن ذلك حديث جابر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها وهذا الحديث استغربه الترمذي بعد تحسينه وقال الترمذي في كتاب \" العلل \" : سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال هذا حديث صحيح رواه غير واحد عن ابن إسحاق ، فإن كان مراد البخاري صحته عن ابن إسحاق ، لم يدل على صحته في نفسه وإن كان مراده صحته في نفسه فهي واقعة عين حكمها حكم حديث ابن عمر لما رأى \" رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر الكعبة \" ، وهذا يحتمل وجوها ستة نسخ لمكان أو غيره وأن يكون بيانا ، لأن النهي ليس على التحريم ولا سبيل إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على التعيين وإن كان حديث جابر لا يحتمل الوجه الثاني منها ، فلا سبيل إلى ترك أحاديث النهي الصحيحة الصريحة المستفيضة بهذا المحتمل .
وقول ابن عمر : إنما نهي عن ذلك في الصحراء فهم منه لاختصاص النهي بها ، وليس بحكاية لفظ النهي وهو معارض بفهم أبي أيوب للعموم مع سلامة قول أصحاب العموم من التناقض الذي يلزم المفرقين بين الفضاء والبنيان فإنه يقال لهم ما حد الحاجز الذي يجوز ذلك معه في البنيان ؟ ولا سبيل إلى ذكر حد فاصل وإن جعلوا مطلق البنيان مجوزا لذلك لزمهم جوازه في الفضاء الذي يحول بين البائل وبينه جبل قريب أو بعيد كنظيره في البنيان وأيضا فإن النهي تكريم لجهة القبلة وذلك لا يختلف بفضاء ولا بنيان وليس مختصا بنفس البيت فكم من جبل وأكمة حائل بين البائل وبين البيت بمثل ما تحول جدران البنيان وأعظم وأما جهة القبلة فلا حائل بين البائل وبينها ، وعلى الجهة وقع النهي لا على البيت نفسه فتأمله .
فصل [ دعاء الخروج من الخلاء ]
وكان إذا خرج من الخلاء قال غفرانك ويذكر عنه أنه كان يقول الحمد لله الذي أذهب عني الأذى ، وعافاني ذكره ابن ماجه .
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار الوضوء
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه وضع يديه في الإناء الذي فيه الماء ثم قال للصحابة توضئوا بسم الله
وثبت عنه أنه قال لجابر رضي الله عنه ناد بوضوء \" فجيء بالماء فقال \" خذ يا جابر فصب علي وقل بسم الله \" قال فصببت عليه وقلت بسم الله قال فرأيت الماء يفور من بين أصابعه
وذكر أحمد عنه من حديث أبي هريرة ، وسعيد بن زيد ، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه وفي أسانيدها لين .
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من أسبغ الوضوء ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ذكره مسلم .
وزاد الترمذي بعد التشهد اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وزاد الإمام أحمد : ثم رفع نظره إلى السماء وزاد ابن ماجه مع أحمد قول ذلك ثلاث مرات .
وذكر بقي بن مخلد في \" مسنده \" من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا من توضأ ففرغ من وضوئه ، ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق وطبع عليها بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم يكسر إلى يوم القيامة ورواه النسائي في \" كتابه الكبير \" من كلام أبي سعيد الخدري وقال النسائي : باب ما يقول بعد فراغه من وضوئه فذكر بعض ما تقدم .
ثم ذكر بإسناد صحيح من حديث أبي موسى الأشعري قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يقول ويدعو : اللهم اغفر لي ذنبي ، ووسع لي في داري ، وبارك لي في رزقي فقلت يا نبي الله سمعتك تدعو بكذا وكذا ، قال \" وهل تركت من شيء ؟ وقال ابن السني : باب ما يقول بين ظهراني وضوئه . .. فذكره .
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الأذان وأذكاره
[ هديه صلى الله عليه وسلم في الأذان ]
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سن التأذين بترجيع وبغير ترجيع وشرع الإقامة مثنى وفرادى ، ولكن الذي صح عنه تثنية كلمة الإقامة \" قد قامت الصلاة \" ولم يصح عنه إفرادها البتة وكذلك صح عنه تكرار لفظ التكبير في أول الأذان أربعا ، ولم يصح عنه الاقتصار على مرتين وأما حديث أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة فلا ينافي الشفع بأربع وقد صح التربيع صريحا في حديث عبد الله بن زيد ، وعمر بن الخطاب ، وأبي محذورة ، رضي الله عنهم .
وأما إفراد الإقامة فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما استثناء كلمة الإقامة فقال إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول \" قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وفي \" صحيح البخاري \" عن أنس : أمر بلال أن يشفع الأذان ، ويوتر الإقامة إلا الإقامة وصح من حديث عبد الله بن زيد وعمر في الإقامة قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
وصح من حديث أبي محذورة تثنية كلمة الإقامة مع سائر كلمات الأذان . وكل هذه الوجوه جائزة مجزئة لا كراهة في شيء منها ، وإن كان بعضها أفضل من بعض فالإمام أحمد أخذ بأذان بلال وإقامته والشافعي أخذ بأذان أبي محذورة وإقامة بلال وأبو حنيفة أخذ بأذان بلال وإقامة أبي محذورة ومالك أخذ بما رأى عليه عمل أهل المدينة من الاقتصار على التكبير في الأذان مرتين وعلى كلمة الإقامة مرة واحدة رحمهم الله كلهم فإنهم اجتهدوا في متابعة السنة .
فصل [ الذكر عند الأذان وبعده ]
وأما هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند الأذان وبعده فشرع لأمته منه خمسة أنواع .
أحدها : أن يقول السامع كما يقول المؤذن إلا في لفظ \" حي على الصلاة \" \" حي على الفلاح \" فإنه صح عنه إبدالهما ب \" لا حول ولا قوة إلا بالله \" ولم يجئ عنه الجمع بينها وبين \" حي على الصلاة \" \" حي على الفلاح \" ولا الاقتصار على الحيعلة وهديه صلى الله عليه وسلم الذي صح عنه إبدالهما بالحوقلة وهذا مقتضى الحكمة المطابقة لحال المؤذن والسامع فإن كلمات الأذان ذكر فسن للسامع أن يقولها ، وكلمة الحيعلة دعاء إلى الصلاة لمن سمعه فسن للسامع أن يستعين على هذه الدعوة بكلمة الإعانة وهي \" لا حول ولا قوة إلا بالله \" العلي العظيم .
الثاني : أن يقول وأنا أشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله رضيت بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا وأخبر أن من قال ذلك غفر له ذنبه .
الثالث أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من إجابة المؤذن وأكمل ما يصلى عليه به ويصل إليه هي الصلاة الإبراهيمية كما علمه أمته أن يصلوا عليه فلا صلاة عليه أكمل منها وإن تحذلق المتحذلقون .
الرابع أن يقول بعد صلاته عليه اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد هكذا جاء بهذا اللفظ \" مقاما محمودا \" بلا ألف ولا لام وهكذا صح عنه صلى الله عليه وسلم .
الخامس أن يدعو لنفسه بعد ذلك ويسأل الله من فضله فإنه يستجاب له كما في \" السنن \" عنه صلى الله عليه وسلم قل كما يقولون يعني المؤذنين فإذا انتهيت فسل تعطه
وذكر الإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم من قال حين ينادي المنادي : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة النافعة صل على محمد وارض عنه رضى لا سخط بعده استجاب الله له دعوته
وقالت أم سلمة رضي الله عنها : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب اللهم إن هذا إقبال ليلك ، وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي ذكره الترمذي .
وذكر الحاكم في \" المستدرك \" من حديث أبي أمامة يرفعه أنه كان إذا سمع الأذان قال اللهم رب هذه الدعوة التامة المستجابة ، والمستجاب لها ، دعوة الحق وكلمة التقوى ، توفني عليها وأحيني عليها ، واجعلني من صالحي أهلها عملا يوم القيامة وذكره البيهقي من حديث ابن عمر موقوفا عليه .
وذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند كلمة الإقامة أقامها الله وأدامها
وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة \" قالوا : فما نقول يا رسول الله ؟ قال \" سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة حديث صحيح .
وفيها عنه ساعتان يفتح الله فيهما أبواب السماء ، وقلما ترد على داع دعوته عند حضور النداء والصف في سبيل الله
وقد تقدم هديه في أذكار الصلاة مفصلا والأذكار بعد انقضائها ، والأذكار في العيدين والجنائز والكسوف وأنه أمر في الكسوف بالفزع إلى ذكر الله تعالى ، وأنه كان يسبح في صلاتها قائما رافعا يديه يهلل ويكبر ويحمد ويدعو حتى حسر عن الشمس والله أعلم
فصل [ الدعاء في العشر ]
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء في عشر ذي الحجة ويأمر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد .
[التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر ثالث أيام التشريق ]
ويذكر عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق فيقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد وهذا وإن كان لا يصح إسناده فالعمل عليه ولفظه هكذا يشفع التكبير وأما كونه ثلاثا ، فإنما روي عن جابر وابن عباس من فعلهما ثلاثا فقط وكلاهما حسن .
قال الشافعي : إن زاد فقال الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر كان حسنا .
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الذكر عند رؤية الهلال
يذكر عنه أنه كان يقول اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ربي وربك الله قال الترمذي : حديث حسن .
ويذكر عنه أنه كان يقول عند رؤيته الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى ، ربنا وربك الله ذكره الدارمي .
وذكر أبو داود عن قتادة أنه بلغه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال هلال خير ورشد ، هلال خير ورشد ، آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات ثم يقول الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا ، وجاء بشهر كذا وفي أسانيدها لين .
ويذكر عن أبي داود وهو في بعض نسخ سننه أنه قال ليس في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مسند صحيح .
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار الطعام قبله وبعده
كان إذا وضع يده في الطعام قال \" بسم الله \" ويأمر الآكل بالتسمية ويقول : إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى ، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله في أوله وآخره حديث صحيح .
والصحيح وجوب التسمية عند الأكل وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد ، وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة ولا معارض لها ، ولا إجماع يسوغ مخالفتها ويخرجها عن ظاهرها ، وتاركها شريكه الشيطان في طعامه وشرابه .
فصل [ هل تزول مشاركة الشيطان للآكلين بتسمية أحدهم ] ؟
وهاهنا مسألة تدعو الحاجة إليها ، وهي أن الآكلين إذا كانوا جماعة
فسمى أحدهم هل تزول مشاركة الشيطان لهم في طعامهم بتسميته وحده أم لا تزول إلا بتسمية الجميع ؟ فنص الشافعي على إجزاء تسمية الواحد عن الباقين وجعله أصحابه كرد السلام وتشميت العاطس وقد يقال لا ترفع مشاركة الشيطان للآكل إلا بتسميته هو ولا يكفيه تسمية غيره ولهذا جاء في حديث حذيفة إنا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما ، فجاءت جارية كأنما تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها ، فأخذت بيدها ، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع يديهما ثم ذكر اسم الله وأكل ولو كانت تسمية الواحد تكفي ، لما وضع الشيطان يده في ذلك الطعام .
ولكن قد يجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قد وضع يده وسمى بعد ولكن الجارية ابتدأت بالوضع بغير تسمية وكذلك الأعرابي ، فشاركهما الشيطان فمن أين لكم أن الشيطان شارك من لم يسم بعد تسمية غيره ؟ فهذا مما يمكن أن يقال لكن قد روى الترمذي وصححه من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء أعرابي ، فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه لو سمى لكفاكم ومن المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولئك الستة سموا ، فلما جاء هذا الأعرابي فأكل ولم يسم شاركه الشيطان في أكله فأكل الطعام بلقمتين ولو سمى لكفى الجميع .
وأما مسألة رد السلام وتشميت العاطس
ففيها نظر وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا عطس أحدكم فحمد الله فحق على كل من سمعه أن يشمته وإن سلم الحكم فيهما ، فالفرق بينهما وبين مسألة الأكل ظاهر فإن الشيطان إنما يتوصل إلى مشاركة الآكل في أكله إذا لم يسم فإذا سمى غيره لم تجز تسمية من سمى عمن لم يسم من مقارنة الشيطان له فيأكل معه بل تقل مشاركة الشيطان بتسمية بعضهم وتبقى الشركة بين من لم يسم وبينه والله أعلم .
ويذكر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم من نسي أن يسمي على طعامه ، فليقرأ قل هو الله أحد إذا فرغ وفي ثبوت هذا الحديث نظر .وكان إذا رفع الطعام من بين يديه يقول الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا عز وجل ذكره البخاري .وربما كان يقول الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين وكان يقول الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا وذكر البخاري عنه أنه كان يقول الحمد لله الذي كفانا وآوانا وذكر الترمذي عنه أنه قال من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا من غير حول مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه حديث حسن .
ويذكر عنه أنه كان إذا قرب إليه الطعام قال بسم الله فإذا فرغ من طعامه قال \" اللهم أطعمت وسقيت وأغنيت وأقنيت وهديت وأحييت فلك الحمد على ما أعطيت \" وإسناده صحيح . وفي \" السنن \" عنه أنه كان يقول إذا فرغ \" الحمد لله الذي من علينا وهدانا ، والذي أشبعنا وأروانا ، ومن كل الإحسان آتانا \" حديث حسن .
وفي \" السنن \" عنه أيضا إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه . ومن سقاه الله لبنا ، فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء ويجزئ عن الطعام والشراب غير اللبن حديث حسن .
ويذكر عنه أنه كان إذا شرب في الإناء تنفس ثلاثة أنفاس ويحمد الله في كل نفس ويشكره في آخرهن
فصل [ أحكام الدعوة إلى الطعام ]
وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل على أهله ربما يسألهم هل عندكم طعام ؟ وما عاب طعاما قط ، بل كان إذا اشتهاه أكله وإن كرهه تركه وسكت وربما قال أجدني أعافه إني لا أشتهيه
وكان يمدح الطعام أحيانا ، كقوله لما سأل أهله الإدام فقالوا : ما عندنا إلا خل ، فدعا به فجعل يأكل منه ويقول نعم الأدم الخل وليس في هذا تفضيل له على اللبن واللحم والعسل والمرق وإنما هو مدح له في تلك الحال التي حضر فيها ، ولو حضر لحم أو لبن كان أولى بالمدح منه وقال هذا جبرا وتطييبا لقلب من قدمه لا تفضيلا له على سائر أنواع الإدام .
وكان إذا قرب إليه طعام وهو صائم قال إني صائم وأمر من قرب إليه الطعام وهو صائم أن يصلي أي يدعو لمن قدمه وإن كان مفطرا أن يأكل منه .
وكان إذا دعي لطعام وتبعه أحد ، أعلم به رب المنزل وقال إن هذا تبعنا ، فإن شئت أن تأذن له وإن شئت رجع وكان يتحدث على طعامه كما تقدم في حديث الخل وكما قال لربيبه عمر بن أبي سلمة وهو يؤاكله سم الله وكل مما يليك .
وربما كان يكرر على أضيافه عرض الأكل عليهم مرارا ، كما يفعله أهل الكرم كما في حديث أبي هريرة عند البخاري في قصة شرب اللبن وقوله له مرارا : اشرب \" ، فما زال يقول اشرب حتى قال والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا
وكان إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم فدعا في منزل عبد الله بن بسر ، فقال اللهم بارك لهم فيما رزقتهم ، واغفر لهم وارحمهم ذكره مسلم . ودعا في منزل سعد بن عبادة فقال أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وذكر أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما دعاه أبو الهيثم بن التيهان هو وأصحابه فأكلوا ، فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم \" قالوا : يا رسول الله وما إثابته ؟ قال \" إن الرجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه دخل منزله ليلة فالتمس طعاما فلم يجده فقال اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني . وذكر عنه أن عمرو بن الحمق سقاه لبنا فقال اللهم أمتعه بشبابه فمرت عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء .
وكان يدعو لمن يضيف المساكين ويثني عليهم فقال مرة ألا رجل يضيف هذا رحمه الله وقال للأنصاري وامرأته اللذين آثرا بقوتهما وقوت صبيانهما ضيفهما : لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة
[ عدم الأنفة من مؤاكلة أي إنسان ]
وكان لا يأنف من مؤاكلة أحد صغيرا كان أو كبيرا ، حرا أو عبدا ، أعرابيا أو مهاجرا ، حتى لقد روى أصحاب السنن عنه أنه أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة فقال كل بسم الله ثقة بالله ، وتوكلا عليه
[ الأكل باليمين ]
وكان يأمر بالأكل باليمين وينهى عن الأكل بالشمال ويقول إن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بشماله ومقتضى هذا تحريم الأكل بها ، وهو الصحيح فإن الآكل بها ، إما شيطان وإما مشبه به . وصح عنه أنه قال لرجل أكل عنده فأكل بشماله كل بيمينك ، فقال لا أستطيع فقال لا استطعت فما رفع يده إلى فيه بعدها فلو كان ذلك جائزا ، لما دعا عليه بفعله وإن كان كبره حمله على ترك امتثال الأمر فذلك أبلغ في العصيان واستحقاق الدعاء عليه .
وأمر من شكوا إليه أنهم لا يشبعون أن يجتمعوا على طعامهم ولا يتفرقوا ، وأن يذكروا اسم الله عليه يبارك لهم فيه وصح عنه أنه قال إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة يحمده عليها ، ويشرب الشربة يحمده عليها وروي عنه أنه قال أذيبوا طعامكم بذكر الله عز وجل والصلاة ولا تناموا عليه فتقسو قلوبكم وأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحا والواقع في التجربة يشهد به .
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في السلام والاستئذان وتشميت العاطس
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في \" الصحيحين \" عن أبي هريرة أن أفضل الإسلام وخيره إطعام الطعام وأن تقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف . وفيهما أن آدم عليه الصلاة والسلام لما خلقه الله قال له اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم واستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه \" ورحمة الله .
وفيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإفشاء السلام وأخبرهم أنهم إذا أفشوا السلام بينهم تحابوا ، وأنهم لا يدخلون الجنة حتى يؤمنوا ، ولا يؤمنون حتى يتحابوا . وقال البخاري في \" صحيحه \" قال عمار ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار
[ فضائل الإنصاف ]
وقد تضمنت هذه الكلمات أصول الخير وفروعه فإن الإنصاف يوجب عليه أداء حقوق الله كاملة موفرة وأداء حقوق الناس كذلك وأن لا يطالبهم بما ليس له ولا يحملهم فوق وسعهم ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ويعفيهم مما يحب أن يعفوه منه ويحكم لهم وعليهم بما يحكم به لنفسه وعليها ، ويدخل في هذا إنصافه نفسه من نفسه فلا يدعي لها ما ليس لها ، ولا يخبثها بتدنيسه لها ، وتصغيره إياها ، وتحقيرها بمعاصي الله وينميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده وحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه وإيثار مرضاته ومحابه على مراضي الخلق ومحابهم ولا يكون بها مع الخلق ولا مع الله بل يعزلها من البين كما عزلها الله ويكون بالله لا بنفسه في حبه وبغضه وعطائه ومنعه وكلامه وسكوته ومدخله ومخرجه فينجي نفسه من البين ولا يرى لها مكانة يعمل عليها ، فيكون ممن ذمهم الله بقوله اعملوا على مكانتكم [ الأنعام 135 ]
فالعبد المحض ليس له مكانة يعمل عليها ، فإنه مستحق المنافع والأعمال لسيده ونفسه ملك لسيده فهو عامل على أن يؤدي إلى سيده ما هو مستحق له عليه ليس له مكانة أصلا ، بل قد كوتب على حقوق منجمة كلما أدى نجما حل عليه نجم آخر ولا يزال المكاتب عبدا ما بقي عليه شيء من نجوم الكتابة .
والمقصود أن إنصافه من نفسه يوجب عليه معرفة ربه وحقه عليه ومعرفة نفسه وما خلقت له وأن لا يزاحم بها مالكها ، وفاطرها ويدعي لها الملكة والاستحقاق ويزاحم مراد سيده ويدفعه بمراده هو أو يقدمه ويؤثره عليه أو يقسم إرادته بين مراد سيده ومراده وهي قسمة ضيزى ، مثل قسمة الذين قالوا : هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون [ الأنعام 136 ] .
فلينظر العبد لا يكون من أهل هذه القسمة بين نفسه وشركائه وبين الله لجهله وظلمه وإلا لبس عليه وهو لا يشعر فإن الإنسان خلق ظلوما جهولا ، فكيف يطلب الإنصاف ممن وصفه الظلم والجهل ؟ وكيف ينصف الخلق من لم ينصف الخالق ؟ كما في أثر إلهي يقول الله عز وجل ابن آدم ما أنصفتني ، خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد كم أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك وكم تتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي ولا يزال الملك الكريم يعرج إلي منك بعمل قبيح .
وفي أثر آخر ابن آدم ما أنصفتني ، خلقتك وتعبد غيري ، وأرزقك وتشكر سواي .
ثم كيف ينصف غيره من لم ينصف نفسه وظلمها أقبح الظلم وسعى في ضررها أعظم السعي ومنعها أعظم لذاتها من حيث ظن أنه يعطيها إياها ، فأتعبها كل التعب وأشقاها كل الشقاء من حيث ظن أنه يريحها ويسعدها ، وجد كل الجد في حرمانها حظها من الله وهو يظن أنه ينيلها حظوظها ، ودساها كل التدسية وهو يظن أنه يكبرها وينميها ، وحقرها كل التحقير وهو يظن أنه يعظمها ، فكيف يرجى الإنصاف ممن هذا إنصافه لنفسه ؟ إذا كان هذا فعل العبد بنفسه فماذا تراه بالأجانب يفعل .
والمقصود أن قول عمار رضي الله عنه ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار كلام جامع لأصول الخير وفروعه .
[ بذل السلام ]
وبذل السلام للعالم يتضمن تواضعه وأنه لا يتكبر على أحد ، بل يبذل السلام للصغير والكبير والشريف والوضيع ومن يعرفه ومن لا يعرفه والمتكبر ضد هذا ، فإنه لا يرد السلام على كل من سلم عليه كبرا منه وتيها ، فكيف يبذل السلام لكل أحد .
[ الإنفاق من الإقتار ]
وأما الإنفاق من الإقتار فلا يصدر إلا عن قوة ثقة بالله وأن الله يخلفه ما أنفقه وعن قوة يقين وتوكل ورحمة وزهد في الدنيا ، وسخاء نفس بها ، ووثوق بوعد من وعده مغفرة منه وفضلا ، وتكذيبا بوعد من يعده الفقر ويأمر بالفحشاء والله المستعان .
فصل [ السلام على الصبيان والنسوان ]
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بصبيان فسلم عليهم ذكره مسلم . وذكر الترمذي في \" جامعه \" عنه صلى الله عليه وسلم مر يوما بجماعة نسوة فألوى بيده بالتسليم وقال أبو داود : عن أسماء بنت يزيد مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا وهي رواية حديث الترمذي ، والظاهر أن القصة واحدة وأنه سلم عليهن بيده .
وفي \" صحيح البخاري \" : أن الصحابة كانوا ينصرفون من الجمعة فيمرون على عجوز في طريقهم فيسلمون عليها ، فتقدم لهم طعاما من أصول السلق والشعير وهذا هو الصواب في مسألة السلام على النساء يسلم على العجوز وذوات المحارم دون غيرهن .
فصل
وثبت عنه في \" صحيح البخاري \" وغيره تسليم الصغير على الكبير ، والمار على القاعد والراكب على الماشي ، والقليل على الكثير وفي \" جامع الترمذي \" عنه يسلم الماشي على القائم وفي \" مسند البزار \" عنه يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد والماشيان أيهما بدأ فهو أفضل
وفي \" سنن أبي داود \" عنه إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام وكان من هديه صلى الله عليه وسلم السلام عند المجيء إلى القوم والسلام عند الانصراف عنهم وثبت عنه أنه قال إذا قعد أحدكم فليسلم ، وإذا قام فليسلم وليست الأولى أحق من الآخرة
وذكر أبو داود عنه إذا لقي أحدكم صاحبه فليسلم عليه ، فإن حال بينهما شجرة أو جدار ثم لقيه فليسلم عليه أيضا وقال أنس : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يمينا وشمالا ، وإذا التقوا من ورائها ، سلم بعضهم على بعض .
[ تحية المسجد قبل السلام ]
ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ثم يجيء فيسلم على القوم فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله فإن تلك حق الله تعالى ، والسلام على الخلق هو حق لهم وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم بخلاف الحقوق المالية فإن فيها نزاعا معروفا ، والفرق بينهما حاجة الآدمي وعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين بخلاف السلام .
وكانت عادة القوم معه هكذا ، يدخل أحدهم المسجد فيصلي ركعتين ثم يجيء فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا جاء في حديث رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة ونحن معه إذ جاء رجل كالبدوي فصلى ، فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل . .. وذكر الحديث فأنكر عليه صلاته ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد الصلاة . وعلى هذا : فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مترتبة أن يقول عند دخوله بسم الله والصلاة على رسول الله . ثم يصلي ركعتين تحية المسجد . ثم يسلم على القوم .
فصل
وكان إذا دخل على أهله بالليل يسلم تسليما لا يوقظ النائم . ويسمع اليقظان ذكره مسلم .
[ السلام قبل السؤال ]
وقد روى أبو أحمد بإسناد أحسن منه حديث عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام قبل السؤال ، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه
ويذكر عنه أنه كان لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام . ويذكر عنه : لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام وأجود منها ما رواه الترمذي عن كلدة بن حنبل ، أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبإ وجداية وضغابيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي قال فدخلت عليه ولم أسلم ، ولم أستأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع فقل السلام عليكم أأدخل ؟ قال هذا حديث حسن غريب .
وكان إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول السلام عليكم السلام عليكم
فصل [ تحميل السلام للغائبين ]
وكان يسلم بنفسه على من يواجهه ، ويحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين عنه ويتحمل السلام لمن يبلغه إليه كما تحمل السلام من الله عز وجل على صديقة النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها لما قال له جبريل هذه خديجة قد أتتك بطعام ، فاقرأ [ عليها ] السلام من ربها ، [ ومني ] وبشرها ببيت في الجنة
وقال للصديقة الثانية بنت الصديق عائشة رضي الله عنها : هذا جبريل يقرأ عليك السلام \" فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته يرى ما لا أرى
فصل [ صيغة السلام ]
وكان هديه انتهاء السلام إلى \" وبركاته \" فذكر النسائي عنه أن رجلا جاء فقال السلام عليكم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال \" عشرة \" ثم جلس ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال \" عشرون \" ثم جلس وجاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال \" ثلاثون \" رواه النسائي ، والترمذي من حديث عمران بن حصين وحسنه .
وذكره أبو داود من حديث معاذ بن أنس ، وزاد فيه ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال \" أربعون \" فقال هكذا تكون الفضائل . ولا يثبت هذا الحديث . فإن له ثلاث علل إحداها : أنه من رواية أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون ، ولا يحتج به .
الثانية إن فيه أيضا سهل بن معاذ وهو أيضا كذلك . الثالثة أن سعيد بن أبي مريم أحد رواته لم يجزم بالرواية بل قال أظن أني سمعت نافع بن يزيد . وأضعف من هذا الحديث الآخر عن أنس : كان رجل يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك يا رسول الله ، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم \" وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه \" فقيل له يا رسول الله تسلم على هذا سلاما ما تسلمه على أحد من أصحابك ؟ فقال \" وما يمنعني من ذلك وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلا ، وكان يرعى على أصحابه
فصل [ السلام ثلاثا ]
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يسلم ثلاثا كما في \" صحيح البخاري \" عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم ثلاثا ولعل هذا كان هديه في السلام على الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد أو هديه في إسماع السلام الثاني والثالث إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع كما سلم لما انتهى إلى منزل سعد بن عبادة ثلاثا ، فلما لم يجبه أحد رجع وإلا فلو كان هديه الدائم التسليم ثلاثا لكان أصحابه يسلمون عليه كذلك وكان يسلم على كل من لقيه ثلاثا ، وإذا دخل بيته ثلاثا ، ومن تأمل هديه علم أن الأمر ليس كذلك وأن تكرار السلام كان منه أمرا عارضا في بعض الأحيان والله أعلم
فصل [ رد السلام ]
وكان يبدأ من لقيه بالسلام وإذا سلم عليه أحد ، رد عليه مثل تحيته أو أفضل منها على الفور من غير تأخير إلا لعذر مثل حالة الصلاة وحالة قضاء الحاجة .
وكان يسمع المسلم رده عليه ولم يكن يرد بيده ولا رأسه ولا أصبعه إلا في الصلاة فإنه كان يرد على من سلم عليه إشارة ثبت ذلك عنه في عدة أحاديث ولم يجئ عنه ما يعارضها إلا بشيء باطل لا يصح عنه كحديث يرويه أبو غطفان رجل مجهول عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته قال الدارقطني : قال لنا ابن أبي داود أبو غطفان هذا رجل مجهول .
والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة رواه أنس وجابر وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فصل [ كراهية قول المبتدئ \" عليك السلام \"]
وكان هديه في ابتداء السلام أن يقول \" السلام عليكم ورحمة الله \" وكان يكره أن يقول المبتدئ عليك السلام . قال أبو جري الهجيمي : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت عليك السلام يا رسول الله فقال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى حديث صحيح .
وقد أشكل هذا الحديث على طائفة وظنوه معارضا لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في السلام على الأموات بلفظ السلام عليكم بتقديم السلام فظنوا أن قوله فإن عليك السلام تحية الموتى إخبار عن المشروع وغلطوا في ذلك غلطا أوجب لهم ظن التعارض وإنما معنى قوله فإن عليك السلام تحية الموتى إخبار عن الواقع لا المشروع أي إن الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذه اللفظة كقول قائلهم
عليك سلام الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
< النبي صلى الله عليه وسلم أن يحي بتحية الأموات ومن كراهته لذلك لم يرد على المسلم بها .
[ بحث في الرد على المسلم ب \" وعليك السلام \" والفرق بينهما وبين الرد على أهل الكتاب ]
وكان يرد على المسلم \" وعليك السلام \" بالواو وبتقديم \" عليك \" على لفظ السلام . وتكلم الناس هاهنا في مسألة وهي لو حذف الراد \" الواو \" فقال \" عليك السلام \" هل يكون صحيحا ؟ فقالت طائفة منهم المتولي وغيره لا يكون جوابا ، ولا يسقط به فرض الرد لأنه مخالف لسنة الرد ولأنه لا يعلم هل هو رد ، أو ابتداء تحية ؟ فإن صورته صالحة لهما ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : \" وعليكم فهذا تنبيه منه على وجوب الواو في الرد على أهل الإسلام فإن \" الواو \" في مثل هذا الكلام تقتضي تقرير الأول وإثبات الثاني ، فإذا أمر بالواو في الرد على أهل الكتاب الذين يقولون السام عليكم فقال إذا سلم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : \" وعليكم فذكرها في الرد على المسلمين أولى وأحرى .
وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك رد صحيح كما لو كان بالواو ونص عليه الشافعي رحمه الله في كتابه الكبير واحتج لهذا القول بقوله تعالى : هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام (