المبحث الثالث : المصلحة المرسلة :
1 - تحرير محل النزاع :
أ - نقل كثير من العلماء عدم جواز الاستصلاح في أحكام
العبـادات ، لأنهـا تعبدية وليس للعقل سبيـل إلـى إدراك المصلحة الجزئية لكل منها .
وكـذا لا يجـوز اللاستصـلاح فـي أحكـام المقـدرات كالحدود والكفارات وفروض
الإرث وشهور العدة بعد الموت أو الطلاق ، لأنها مثل أحكام العبادات حيث استأثر
الشارع بعلم المصلحة فيما حدد به .
واختلف العلماء في بناء الأحكام على
المصلحة المرسلة فيما عدا أحكام العبادات والمقدرات .
ب - حكى ابن قدامة في "روضة الناظر"
[ ص
(169) ] الاتفاق على عدم جواز بناء الأحكام على المصالح المرسلة في رتبة
الحاجيات والتحسينيات ، وحصر الخلاف فيما كـان في رتبة الضروريات .
ويلاحظ
عليه عدم الضابط الدقيق الذي يمكن به معرفة الضروريات من الحاجيات ، ثـم إن النزاع
موجود أيضا في رتبة التحسينيات والحاجيات .
2 - منشأ
الخلاف : قال د . التركـي : معظم الغموض
في هذه القواعد منشؤه الاكتفاء بالتراجم والمعاقد دون التهذيب بالأمثلة
[ أصول مذهب الإمام أحمد ، ص (414) ، وإرشاد الفحول ، ص (208) ]
.
وقال د . صالح المنصور : هذا النوع -
المصالح المرسلة - لم يذكر له العلماء مثالا صحيحا مطابقا له ، بل يكاد يكون متعذرا
إذ أن المصالح التي قال بها الأئمة مصالح مشهود لجنسها بالاعتبار ، ولا يتصور أن
توجد واقعة مسكوت عنها في الشرع ، لأنه يلزم منه عدم إكـمال الدين والنعمة ، وهذا
خلاف ما أخبر الله به .
[ أصول الفقه وابن تيمية ، ص (459) ]
.
وقال الغزالي : والصحيح أن الاستدلال
المرسل في الشرع لا يتصور حتى نتكلم فيه بنفي أو إثبات ، إذ الوقائع لا حصر لها
وكـذا المصالح ، وما من مسألة تفرض إلا وفي الشرع دليل عليها إما بالقبول أو بالرد
، فإنا نعتقد استحالة خلو واقعة عن حكـم الله تعالى .
[
المنخول ، ص (395) ] .